لطالما ساد الاعتقاد بأن التململ (Fidgeting) — سواء تجسّد في نقرٍ سريع بالأصابع أو اهتزازٍ مستمر للقدمين — ليس سوى علامة على العصبية أو الملل العابر. ومع ذلك، يكشف العلم أن التحرك المستمر للمصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD) يمثل مدخلاً حسياً حيوياً وآلية تنظيم ذاتي لا غنى عنها للحفاظ على اليقظة. إن هذا التحريك التلقائي لأطراف الجسم ليس مجرد 'ضوضاء حركية' أو دليلاً على عدم المبالاة، بل هو وسيلة الدماغ؛ لتفعيل 'محرك داخلي' يعوض نقص الإثارة العصبية ويحفز التركيز. لذا، إذا وجدت نفسك في حالة تحريك لاواعي لقدمك أثناء العمل، فأنت لا تشتت انتباهك، بل يقوم دماغك بإجراء فسيولوجي لزيادة التأهب الذهني وضمان استمرارية الأداء المعرفي.
لم يعد التململ يُفسر كعرض سلبي فقط، بل كآلية تعويضية.
كشفت الدراسات (مثل أبحاث جامعة كاليفورنيا UC Davis وموقع CHADD) أن التململ يخدم وظائف حيوية:
تنظيم الإثارة (Arousal): يحتاج دماغ ADHD لمستويات تحفيز أعلى. التململ يرفع مستوى اليقظة للوصول إلى "حالة الاستعداد الأمثل"، خاصة في المهام الرتيبة.
تعويض نقص الدوبامين: الحركة تحفز إطلاق الدوبامين والنورادرينالين، وهما المسؤولان عن التركيز. وفي الحالات الشديدة، تساعد أدوية، مثل: ريتالين (Ritalin) أو كونسيرتا (Concerta) التي تحتوي على الميثيلفينيديت في موازنة هذه الكيماويات وتقليل الحاجة للحركة العصبية.
تحسين الأداء المعرفي: أظهرت دراسة (Son et al., 2024) المنشورة في PMC أن البالغين يتململون بكثافة أكبر أثناء المحاولات الصحيحة في اختبارات، مثل: Flanker، مما يثبت أن الحركة تساعد في "تثبيت" التركيز.
تفريغ الطاقة الأيضية: يساعد التململ في التخلص من الشعور بالأرق أو "فرط النشاط الداخلي" وتوجيه الطاقة الزائدة بشكل لا يؤثر على الموارد الذهنية.
الأطفال: يظهر كحركة جسدية مفرطة، جري، أو صعوبة في الجلوس.
البالغون: يتحول إلى تحريك تلقائي دقيق، مثل: اللعب بالشعر، أو تحريك لاواعي لأصابع القدم داخل الحذاء، أو الدندنة (Doodling).
مقابل متلازمة تململ الساقين (RLS): التململ في ADHD مرتبط بالتركيز واليقظة، بينما RLS هي حالة طبية تسبب رغبة لا تقاوم في الحركة تزداد ليلاً وتؤثر على النوم.
1. هل التململ مفيد أم ضار؟
يكون التململ مفيدًا عندما يعمل كأداة لزيادة التركيز وتفريغ الطاقة الزائدة. لكنه يصبح ضارًا إذا تحول إلى حركة عصبية تسبب إصابات جسدية (مثل: قضم الأظافر الشديد) أو إذا كان يعيق التواصل الاجتماعي في بيئات رسمية.
2. ما الفرق بين التململ الطبيعي والتململ المرتبط بـ ADHD؟
التململ الطبيعي غالباً ما يرتبط بموقف مؤقت (قلق أو ملل عابر)، بينما في ADHD يكون التحرك المستمر نمطًا مزمنًا وشاملًا يظهر في كافة سياقات الحياة.
3. كيف أساعد طفلي المتململ؟
بدلاً من قول "اجلس بهدوء"، حاول توفير أدوات تململ (Fidget Tools) هادئة، أو استشر أخصائي علاج وظيفي لتصميم برنامج حسي مناسب.
أثناء القيادة: قد يظهر التململ كدندنة أو نقر على المقود، وهو ما يساعد السائق على البقاء مستيقظًا في الرحلات الطويلة.
في الاجتماعات الرسمية: يميل البالغون إلى التحريك التلقائي لأصابع القدم داخل الحذاء أو اللعب بخاتم التململ؛ لتبدو الحركة مقنعة وغير ملفتة.
مشاهدة التلفاز والواجبات المنزلية: غالبًا ما يحتاج المصابون بـ ADHD إلى تحفيز إضافي، مثل: استخدام "عجينة حسية" أثناء الدراسة لضمان ثبات التركيز الذهني.
إذا كنت تبحث عن حلول عملية، فإن السوق والطب يقدمان خيارات متنوعة:
الأدوات والمنتجات:
Fidget Spinners: (تنبيه: قد تكون مشتتة بصريًا في الفصول الدراسية).
مكعبات التململ (Fidget Cubes): توفر ملامس متنوعة (نقر، تدوير، ضغط).
أثاث نشط: مثل: كراسي Wobble Stools التي تسمح بالحركة أثناء الجلوس.
كرات الضغط (Stress Balls): منافذ حسية صامتة.
الحلول التقنية والتطبيقات:
تطبيقات: مثل: Tiimo أو Focus@Will تساعد في تنظيم الوقت وتوفير خلفيات صوتية تقلل الحاجة إلى التململ الجسدي.
الدعم المهني والمجتمعي:
الانضمام إلى مجموعات دعم الأهل (مثل: منصة CHADD) أو استشارة أخصائيي العلاج الوظيفي؛ لتعلم تقنيات "التنظيم الذاتي".
1. القبول بدلاً من القمع: إذا كان التحريك اللاواعي أو التحرك المستمر هو ما يساعدك على إنجاز مهامك وتجاوز التشتت، فلا داعي لمحاولة قمع هذه الرغبة بشكل كامل. السر لا يكمن في منع الحركة، بل في توجيهها؛ أي الانتقال بذكاء من الحركة العصبية العشوائية والمشتتة إلى التحريك التلقائي الموجه، وذلك بالاستعانة بالتقنيات والأدوات المناسبة التي تخدم تركيزك ولا تعيقه.
2. ما يثبته العلم: تؤكد دراسات البروفيسورة جولي شفايتزر أن التململ هو محاولة فسيولوجية يقوم بها الدماغ ليبقى "متصلاً" بالمهمة وبحالة يقظة تامة. ومن خلال دمج الاستراتيجيات السلوكية المدروسة مع أدوات التململ الصامتة، ونشر الفهم المجتمعي حول طبيعة ADHD، يمكننا تحويل هذا السلوك من مجرد "إلهاء" مزعج إلى "أداة" قوية تدفعك نحو النجاح والإنتاجية.
تذكر دائماً: إذا كان جسمك في حالة حركة، فربما يكون ذلك لأن عقلك يعمل الآن بأقصى طاقته لتحقيق الإبداع والإنجاز.
المصادر:
CHADD. (2025). How Does Fidgeting Enhance Focus for Individuals with ADHD? Attention Magazine. Retrieved from https://chadd.org/attention-article/how-does-fidgeting-enhance-focus-for-individuals-with-adhd/
Schweitzer, J. B., & Sharp, M. R. (2024, October 30). Does fidgeting help people with ADHD focus? UC Davis Health News. Retrieved from https://health.ucdavis.edu/news/headlines/does-fidgeting-help-people-with-adhd-focus-/2024/10
Son, H. M., Calub, C. A., Fan, B., Dixon, J. F., Rezaei, S., Borden, J., Schweitzer, J. B., & Liu, X. (2024). A quantitative analysis of fidgeting in ADHD and its relation to performance and sustained attention on a cognitive task. Frontiers in Psychiatry, 15, 1394096. https://doi.org/10.3389/fpsyt.2024.1394096
Verywell Mind. (2024). Fidgeting as a Symptom of ADHD: Understanding the link. Retrieved from https://www.verywellmind.com/fidgeting-symptom-adhd-5443007
Life Skills Advocate. (2023). Why Do I Fidget So Much? 11 Strategies For Managing ADHD Restlessness. Retrieved from https://lifeskillsadvocate.com/blog/why-do-i-fidget-so-much/
لاتوجد تعليقات