جميعنا نمرّ بتجربة التحضير والتمهيد حتى دون أن ندرك ذلك. تعتمد وسائل الإعلام والتسويق على تهيئة أنفسنا لربط معلوماتها أو علاماتها التجارية بمشاعر أو تجارب معينة. وقد نكوّن أيضًا ارتباطات حول تجارب سلبية، مثل التعرض لحادث سيارة عند تقاطع طرق معين.
بالنسبة للمعالجين الذين يستخدمون تقنيات تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، يُمكن أن يُساعد التحضير النفسي العميل على الاستعداد لحدث مُستقبلي، مما يُخفف من التوتر. ثم، فإن ربط انخفاض التوتر بهذا التغيير المُحدد، وفي النهاية بالتغيير بشكل عام، يُمكن أن يُساعد العميل على التأقلم مع التحولات. هذا مُفيد بشكل خاص للأطفال المُصابين بالتوحد وذوي الاضطرابات التطورية عامة، الذين غالبًا ما يُعانون من أي تغيير، كبيرًا كان أم صغيرًا في روتينهم.
حيث أن ربط فكرة أو حدث أو شخص أو شيء آخر يعني أن التمهيد هو مفهوم في العلاج المعرفي السلوكي.
تحليل السلوك التطبيقي (ABA) هو نهج علمي لفهم السلوك وتغييره من خلال الملاحظة والتقييم والتعامل مع المتغيرات البيئية. ومن أكثر التقنيات فعاليةً في تحليل السلوك التطبيقي هي التحضير أو التمهيد (Priming) لتهيئة الأفراد، وهو أداة فعّالة لتحسين نتائج التعلم.
كما تلعب دورًا محوريًا في تسهيل التعلم وتعزيز التغيير السلوكي الإيجابي لدى الأفراد المصابين بالتوحد والاضطرابات التطورية الأخرى. من خلال توفير معلومات أو إشارات تمهيدية، يُهيئ التحضير الأفراد للأنشطة القادمة، ويُعزز فهمهم، ويزيد من مشاركتهم.
دعونا نتعرف على مفهوم التحضير أو التمهيد في تحليل السلوك التطبيقي والهدف منه.
التحضير والتجهيز (Priming) في سياق تحليل السلوك التطبيقي هو استراتيجية وقائية، تُعرف أيضًا باسم استراتيجية استباقية أو تدخل قبلي، تُستخدم لتجهيز الأطفال لموقف أو مهمة ما قبل الانخراط في مهام أو أنشطة محددة من خلال تزويدهم بالمعلومات أو الإشارات ذات الصلة مسبقًا. يُمكّن الأفراد من توقع الأنشطة القادمة والاستعداد لها وتقليل قلقهم، وتسهيل فهمهم ومشاركتهم، مما يُسهّل عملية الانتقال ويقلل من السلوكيات الصعبة المحتملة.
يمكن أن تتخذ هذه المعلومات التمهيدية أشكالًا مختلفة، مثل: الإشارات البصرية أو اللفظية أو الجسدية، وذلك حسب احتياجات الفرد وتفضيلاته.
تُعدّ هذه التقنية قيّمة تُستخدم في تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، وتُقدّم فوائد عديدة للأفراد المصابين بالتوحد والاضطرابات التطورية الأخرى. بفهم هذه الأهداف والفوائد، يُمكن للآباء والمعالجين تقدير أهمية دمج التهيئة أو التحضير مسبقًا في برنامج علاج تحليل السلوك التطبيقي لأطفالهم.فيما يلي بعض الأهداف الرئيسية للتهيئة:
الحد من القلق وزيادة المشاركة: تساعد التهيئة النفسية الأفراد المصابين بالتوحد على الشعور بمزيد من الاستعداد وتقليل القلق بشأن الأنشطة القادمة.
غالبًا ما يعاني المصابون بالتوحد من القلق في مواقف غير مألوفة أو غير متوقعة. يوفر التحضير والتهيئة النفسية إطارًا منظمًا وقابلًا للتنبؤ من خلال تقديم معلومات مسبقة مما يزيد من مستوى راحتهم، مما يساعد على تخفيف القلق وخلق شعور بالأمان.
عندما يشعر الأفراد براحة أكبر وقلق أقل، تزداد احتمالية مشاركتهم وتفاعلهم بنشاط في عملية التعلم. ومن خلال تقليل القلق وزيادة المشاركة، ويُمهّد الطريق لتجارب تعلم أكثر نجاحًا.
تعزيز الاستعداد للتعلم: يُهيئ التحضير النفسي الظروف لتجارب تعلم ناجحة. فمن خلال توفير المعلومات أو الإشارات المناسبة، يكون الأفراد أكثر استعدادًا لاكتساب مهارات جديدة، واتباع التعليمات، والانخراط في تفاعلات هادفة.
فهو يتيح للأفراد المصابين بالتوحد فرصة معاينة الأنشطة والمواد والمواقف الاجتماعية القادمة والتعرف عليها. ويساعد هذا التحضير على تقليل عنصر المفاجأة، ويعزز فهمهم لما هو متوقع منهم.
وذلك من خلال تحضير الطفل قبل جلسة أو نشاط تعليمي، كما يمكن للوالدين أو الاختصاصيين مساعدته على الشعور بمزيد من الثقة والاستعداد للمشاركة. عندما يكون لدى الأفراد المصابين بالتوحد فهم واضح لما سيحدث لاحقًا، يزداد احتمال مشاركتهم بنشاط تعليمي. هذا الاستعداد المتزايد للتعلم يمكن أن يؤدي إلى تحسين اكتساب المهارات وتعميمها في مختلف البيئات.
إن فهم أهداف وفوائد التحضير والتمهيد في تحليل السلوك التطبيقي (ABA) أمرٌ أساسي للآباء والمعالجين ومقدمي الرعاية الذين يسعون لتحسين تجربة الأطفال العلاجية. فمن خلال تعزيز استعدادهم للتعلم وتقليل القلق، يُمكن أن يُعزز من فعالية تدخلات تحليل السلوك التطبيقي (ABA) ويدعم النمو الشامل للأفراد المصابين بالتوحد والاضطرابات التطورية (النمائية) الأخرى.
التهيئة أسلوب متعدد الاستخدامات، يُمكن تطبيقه في مختلف البيئات والأنشطة لتعزيز نتائج إيجابية لدى الأفراد المصابين بالتوحد. يُعدّ فهم مفهوم الإعداد والتحضير والهدف منها أمرًا بالغ الأهمية للآباء الذين يسعون إلى دعم تعلم أطفالهم ونموهم في إطار تحليل السلوك التطبيقي.
سوف نتعرف على أنواعًا مختلفة من تقنيات التمهيد والاستعداد المستخدمة عادةً في تدخلات تحليل السلوك التطبيقي لتسهيل التعلم والتغيير السلوكي الإيجابي.
يتضمن التحضير Priming في تحليل السلوك التطبيقي (ABA) استخدام تقنيات متنوعة لإعداد الأفراد للأنشطة أو المهام القادمة. من خلال توفير المعلومات وتعريف الأفراد بما هو متوقع، يُعزز التحضير المشاركة والتعلم الناجحين. هناك أنواع مختلفة من تقنيات التحضير والإعداد التي يمكن استخدامها لدعم الأفراد في بيئة تحليل السلوك التطبيقي، وتشمل هذه التقنيات:
1- التحضير البصري Visual Priming
يشمل استخدام إشارات أو وسائل بصرية لمساعدة الأفراد على فهم وتوقع ما سيحدث لاحقًا. بما فيها من استخدام الصور أو الرموز أو التعليمات المكتوبة لتقديم معلومات حول الأنشطة أو الخطوات أو التوقعات القادمة. يساعد التحضير البصري الأفراد على معالجة المعلومات بصريًا، مما قد يكون مفيدًا بشكل خاص للأشخاص الذين يعتمدون على الرؤية بشكل أكبر أو الذين يعانون من صعوبة في التواصل اللفظي. ومن التقنيات البصرية:
الجداول المرئية Visual Schedules: تستخدم الجداول البصرية صورًا أو رموزًا؛ لتوضيح تسلسل الأنشطة أو المهام. فهي تساعد الأفراد على فهم ترتيب الأحداث، وتوفر تمثيلًا مرئيًا لما يمكن توقعه.
دعم بصري Visual Support:يتضمن الدعم المرئي إشارات بصرية أو مطالبات أو تذكيرات توفر معلومات أو إرشادات إضافية للأفراد أثناء أنشطة محددة. يمكن أن تكون هذه الدعامات في شكل مخططات مرئية أو رسوم بيانية أو مساعدات بصرية تسلط الضوء على المعلومات أو الخطوات المهمة.
المؤقتات البصرية Visual Timers: تستخدم المؤقتات البصرية أدوات بصرية، مثل: ساعة العد التنازلي أو الساعة الرملية، للإشارة إلى الوقت المتبقي لنشاط أو مهمة. تساعد هذه المؤقتات الأفراد على إدارة وقتهم ومعرفة الوقت المتبقي لنشاط معين.
2- التمهيد اللفظي Verbal priming
يمكن تقديم الإشارات أو التعليمات الوصفية سواء منطوقة أو مكتوبة مسبقًا لتقديم معلومات حول ما هو متوقع أو كيفية أداء مهمة ما أو ما سيحدث بعد ذلك؛ لإعداد الأفراد للأنشطة أو المهام القادمة.ويعد التمهيد اللفظي مفيدًا بشكل خاص للأفراد الذين هم أكثر تقبلاً للمعلومات السمعية أو لديهم مهارات لغوية قوية. ومن التقنيات اللفظية:
ما قبل التدريس Pre-teaching: أي تزويد الأفراد بنظرة عامة موجزة أو شرح للنشاط أو المهمة القادمة قبل حدوثها. هذا يساعد الأفراد على فهم ما سيفعلونه والاستعداد له ، مما يقلل من القلق ويزيد من المشاركة
كتابة النصوص Scripting: تتضمن تزويد الأفراد بمجموعة من التعليمات أو العبارات المكتوبة أو التي تم التدرب عليها والتي توجههم خلال نشاط أو مهمة معينة. يمكن أن تساعد النصوص المكتوبة الأفراد على تذكر الخطوات أو التوقعات، مما يقلل من الحاجة إلى المساعدة اللفظية المستمرة.
التحدث مع النفس Self-talk: يتضمن تشجيع الأفراد على التحدث مع أنفسهم أثناء القيام بنشاط أو مهمة. هذا التواصل اللفظي الموجه ذاتيًا يساعد الأفراد على تعزيز فهمهم، والتركيز، والحفاظ على التفاعل.
3- التحضير الجسدي Physical Priming
يتضمن استخدام حركات أو أفعال بدنية لتحضير الأفراد للأنشطة أو المهام القادمة. يساعد هذا النوع من التحضير الأفراد على التعود على أفعال أو مهارات حركية محددة مطلوبة لمهمة ما، مما يجعله مفيدًا بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من صعوبات حركية أو أولئك الذين يتعلمون بشكل أفضل من خلال الخبرة العملية. ومن التقنيات الجسدية:
اليد فوق اليد Hand-over-Hand:هو توجيه يد أو جسم الشخص جسديًا لأداء الحركات أو الأفعال الصحيحة اللازمة لمهمة ما. توفر هذه التقنية للأفراد تجربة حركية وتساعدهم على فهم المتطلبات الجسدية للمهمة.
التلاعب بالأشياء Manipulating Objects:إن التعامل مع الأشياء المتعلقة بالنشاط أو المهمة القادمة يُساعد الأفراد على التعود على المواد أو الأدوات التي يستخدمونها. تتيح هذه التجربة العملية للأفراد استكشاف وممارسة الحركات البدنية المطلوبة، مما يزيد من ثقتهم بأنفسهم واستعدادهم.
النمذجة Role-Modeling: تتضمن عرض الأفعال أو السلوكيات المرغوبة على الأفراد قبل بدء النشاط أو المهمة. بمراقبة شخص آخر يؤدي المهمة، يكتسب الأفراد فهمًا أفضل لما هو متوقع وكيفية أداء الأفعال بشكل صحيح.
بدمج هذه الأنواع المختلفة من تقنيات التهيئة والتمهيد، يمكن للوالدين مساعدة أطفالهم المصابين بالتوحد على الشعور براحة أكبر والاستعداد للمشاركة في مختلف الأنشطة وفرص التعلم. من المهم مراعاة نقاط قوة الفرد وتفضيلاته واحتياجاته الأكثر فعالية عند تحديد تقنيات التحضير والاستعداد فهي تُسهم بشكل كبير في تقليل القلق وزيادة التفاعل.
إنشاء بيئة منظمة لتطبيق تقنيات التحضير
يُعد إنشاء بيئة منظمة أمرًا بالغ الأهمية للأفراد المشاركين في علاج تحليل السلوك التطبيقي (ABA). توفر البيئة المنظمة القدرة على التنبؤ والاتساق، مما يساعد الأفراد المصابين بالتوحد على الشعور بمزيد من الراحة والمشاركة في عملية التعلم.
فيما يلي بعض العناصر الرئيسية التي يجب مراعاتها عند إنشاء بيئة منظمة لتطبيق تقنيات التحضير:
من خلال تهيئة بيئة منظمة، يمكن للأفراد المصابين بالتوحد التركيز بشكل أفضل على التعلم والمشاركة بالأنشطة.
للاستفادة القصوى من تقنيات التحضير في تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، من الضروري مراعاة بعض النصائح الرئيسية لضمان الفعالية وتعظيم فوائدها. إليك ثلاث نصائح مهمة يجب مراعاتها:
1- تخصيص تقنيات التحضير
كل فرد مصاب بالتوحد حالة فردية بنقاط قوته وتحدياته وتفضيلاته الخاصة. من الضروري تخصيص التقنيات والاستراتيجيات لتلبية احتياجاته وأساليب تعلمه الخاصة. فما يناسب شخصًا ما قد لا يناسب آخر.
ضع في اعتبارك عوامل مثل قدرات الفرد على التواصل، وحساسيته الحسية، ومستواه المعرفي. صمّم المواد والمساعدات ووسائل الدعم المستخدمة في التحضير لتتناسب مع تفضيلاته وقدراته. من خلال تخصيص النهج، يمكنك تعزيز المشاركة وتعزيز تجربة تعلم أكثر فعالية.
2- الاتساق والتكرار
يلعب الاتساق والتكرار دورًا حيويًا في نجاح تدخلات التهيئة والتمهيد. من المهم إرساء روتين ثابت ودمج تقنيات التحضير باستمرار في مختلف البيئات والأنشطة. هذا يساعد الأفراد المصابين بالتوحد على تطوير القدرة على التنبؤ والألفة، مما يُقلل من قلقهم ويزيد من فهمهم لما هو متوقع منهم.
يُعد التكرار أيضًا عاملًا أساسيًا في تعزيز التعلم وبناء مهارات جديدة. فمن خلال الاستخدام المستمر لتقنيات التحضير، تتاح للأفراد فرص أكبر لممارسة المعلومات واستيعابها، مما يُحسّن من حفظها وتعميمها.
3- مراقبة التقدم وتعديل استراتيجيات التحضير
من الضروري مراقبة التقدم المُحرز وتقييم فعالية استراتيجيات التحضير أو التمهيد بانتظام. تابع استجابات الفرد وسلوكياته أثناء جلسات التحضير، وحلل تأثير التقنيات المُستخدمة. هذا يُمكّنك من تحديد التقنيات الأكثر فعالية وإجراء التعديلات اللازمة.
المرونة أساسية عند استخدام استراتيجيات التحضير. مع تقدم الفرد وتطويره لمهارات جديدة، قد تتغير احتياجاته وتفضيلاته. كن على معرفة بتكييف وتعديل التقنيات وفقًا لذلك. قد يشمل ذلك تقديم مواد أو توجيهات أو دعم جديد، أو تعديل مستوى الصعوبة بما يتناسب مع قدراتهم الحالية.
وفقًا لذلك، يمكنك ضمان استمرار استفادة الفرد من تدخلات التحضير وإحراز تقدم ملموس في نموه.
تذكر أن التحضير والتمهيد لغايات التهيئة والاستعداد في تحليل السلوك التطبيقي عملية ديناميكية وفردية.
المصادر:
لاتوجد تعليقات