عندما نتحدث عن العقاب Punishment كوسيلة لعلاج السلوك غير المرغوب فيه، يعتقد الكثيرون بأن العقاب هو فقط تقديم مثير مؤلم ومنفر للفرد أي بالمعنى العام قد يتبادر بأذهاننا الضرب والعنف والسجن.
وغالباً ما نتوقف عند التحدث عن العقاب وكأن الحديث فيه شيء محرم، ذلك لأن استعمال العقاب شيء غير حضاري كما يعتقد البعض، ولكن العقاب ليس دائماً إجراء مستبعداً إذا طبق بكل أخلاقية ومنهجية.
"يشير مالوت (۱۹۹۳) إلى قصة امرأة كانت تعاني من إعاقة فكرية (ذهنية) شديدة وكانت تقوم بسلوكيات كثيرة غير مقبولة منها صك الأسنان ببعضها بعضًا بدرجة كبيرة ومزعجة مما أدى إلى أن تآكلت خمساً من أسنانها جراء هذا السلوك. وقد قام عدد من اختصاصيي تحليل السلوك بمتابعة حالتها ولكنهم فشلوا في إيقاف هذا السلوك.
مما دفعهم للبحث عن طريقة أخرى إلى أن توصلوا إلى طريقة تتلخص في وضع مكعب الثلج على وجه هذه المرأة في كل مرة تحاول فيها صك الأسنان بهذه الطريقة، وتم ملاحظة أن هذا السلوك قد تناقص بشكل كبير بعد عدة أيام من العلاج، وبعد شهرين فقط كان هذا السلوك قد توقف تماماً"
أساليب العقاب التربوي متنوعة وهذا ما ينبغي أن تعرفه.
تعريف مفهوم العقاب Punishment
العقاب إحدى مبادئ السلوك ويشير إلى تغيير يحدث بعد السلوك من خلال تقديم مثير مؤلم أو سحب مثير محبب مما يقلل من احتمالية تكرار هذا السلوك مرة أخرى في المستقبل،الهدف من العقاب هو إما تقليل السلوك أو إيقافه.
ويقصد بالمثير المؤلم هو المثير الذي نحاول أن نقلل من الاتصال به أو التعرض له، وتقسم المثيرات العقابية إلى نوعين:
مثيرات عقابية غير شرطية: هي تلك المثيرات التي تسبب الألم والإزعاج للإنسان حيث تتميز بطبيعتها كالحر الشديد والصوت العالي الحاد والضرب، والبرد الشديد.
المثيرات العقابية الشرطية: هي التي اكتسبت خصائصها عن طريق اقترانها بمثيرات عقابية غير شرطية طبيعية مثل: إيماءات الوجه وحركات الجسم عند اقترانها بالصراخ أو التهديد.
يلعب العقاب دورًا مهمًا في الإشراط الإجرائي وهو إجراء تعليمي يستخدم المكافآت والعقوبات لتعديل السلوك.
أنواع العقاب
حدد سكينر نوعين مختلفين من المثيرات المنفرة التي يمكن استخدامها كعقاب:
1- العقاب الإيجابي Positive Punishment: ينص مبدأ العقاب الإيجابي على أنه"إذا تبع سلوك ما منفر ما فإن ذلك السلوك سیقل حدوثه في المستقبل" وبكلمات أخرى فإن التعرض لمنفر ما بعد سلوك ما سوف يقلل حدوث ذلك السلوك في المستقبل في نفس السیاق الذي تم فیه العقاب أو سياق مشابه لذلك السياق
بعض أشكال العقاب الإيجابي:
- التصحيح الزائد بالإعادة (overcorrection Restitutional): ويعني لیس فقط إعادة كل ما نتج عن السلوك من فوضى إلى ما كان علیه، بل وترتیبھا بشكل أفضل مما كان علیه مما يؤدي إلى خفض ذلك السلوك في المستقبل.
- التصحيح الزائد بالممارسة الایجابیة ( overcorrection practice Positive): وھو أن يقوم الطالب بالانخراط بتكرار السلوك بشكلها الصحيح، أو يقوم بتكرار سلوك نقيض للسلوك غير المرغوب الذي صدر منه ولمدة محددة من الوقت. فمثلا اذا قام الطالب بكتابة اسمه بشكل خاطئ في التصحيح بالممارسة الایجابیة یكون بأن يقوم الطالب بكتابة اسمھ خمس مرات بالشكل الصحيح.
2- العقاب السلبي (Negative Punishment): وينص مبدأ العقاب السلبي على مايلي: " إذا تبع سلوك ما سحب أو إزالة معزز ما فإن ذلك السلوك سیقل حدوثها في المستقبل" وبكلمات أخرى فإن "فقدان وخسارة او الحرمان من معزز ما بعد سلوك ما سوف يقلل حدوث ذلك السلوك في المستقبل في نفس السياق الذي تم فیه العقاب أو سیاق مشابه لذلك السیاق ". فمثلا أن يفقد الطالب لعبته نتيجة لضرب زمیله، وأن یخسر الابن جزءًا من مصروفه نتیجة للصراخ، وغیرھا.
بعض أشكال العقاب السلبي:
العقاب مقابل التعزيز السلبي
غاليا ما يتم الخلط بين العقاب والتعزيز السلبي والفرق أن التعزيز يزيد من فرص حدوث السلوك المرغوب به، بينما العقاب يقلل من فرص حدوث السلوك غير المرغوب به
المنفر مقابل المعزز
العوامل المؤثرة في فعالية العقاب
كلما كان العقاب أكثر شدة وفوري ومباشر .... كلما كان تأثيرها أكبر في خفض السلوك
حسنات العقاب وسلبياته
قد يؤدي العقاب عندما یكون شدید الى العدوان والعنف والھجوم المضاد ونتائج العقاب أحيانًا ما تكون مؤقتة، فالسلوك يختفي بوجود المثير الضابط العقابي ویظھر في غيابها، فالعقاب ليس بقوة التعزيز الذي يلعب دورًا مميزًا في تعديل السلوك وتغييره.
- حسنات العقاب وفوائده:
- سلبيات العقاب:
كيفية تحديد نوع العقاب الأكثر ملاءمة لسلوك معين
قد يكون تحديد نوع العقاب المستخدم في علاج ال ABA أمرًا صعبًا، لأنه يتطلب دراسة متأنية للسلوك المعني واحتياجات الفرد. فيما يلي بعض العوامل التي يجب مراعاتها عند تحديد نوع العقاب التي يجب استخدامها:
-طبيعة السلوك
العامل الأول الذي يجب مراعاته هو طبيعة السلوك الذي يجب معالجته. قد يكون العقاب الإيجابي أكثر ملاءمة للسلوكيات العدوانية أو الخطيرة، مثل الضرب أو العض. من ناحية أخرى، قد يكون العقاب السلبي أكثر فعالية للسلوكيات الأقل حدة، مثل المقاطعة أو التحدث دون اتباع الدور والانتظار.
-احتياجات الفرد الحسية
من المهم مراعاة احتياجات الفرد الحسية عند اختيار شكل من أشكال العقاب. قد يكون بعض الأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد شديدي الحساسية تجاه بعض المثيرات، مما يجعل العقاب الإيجابي أمرًا مكروهًا لهم بشكل خاص. في هذه الحالات، قد يكون العقاب السلبي خيارًا أفضل.
-تاريخ الفرد مع العقاب
ومن المهم أيضًا النظر في تاريخ الفرد مع العقاب. إذا كانت لديهم تجارب سلبية مع العقاب الإيجابي في الماضي، فقد يكونون أقل استجابة له أو حتى يطورون موقفًا سلبيًا تجاه العلاج تمامًا. في هذه الحالات، قد تكون العقاب السلبي خيارًا أفضل.
-مستوى راحة المعالج
وأخيرًا، من المهم للمعالجين أن يأخذوا في الاعتبار مستوى راحتهم مع أشكال العقاب المختلفة. إذا كانوا غير مرتاحين لاستخدام العقاب الإيجابي، فقد لا ينفذونه بفعالية أو باستمرار. في هذه الحالات، قد يكون العقاب السلبي خيارًا أفضل.
من خلال أخذ هذه العوامل في الاعتبار وتصميم نهجهم وفقًا لذلك، يمكن للمعالجين التأكد من أن استخدامهم للعقاب فعال مع تقليل الضرر الذي يلحق بسلامة الطفل العاطفية موقفه تجاه التعلم.
لماذا يبدو أن العقاب فعال في بعض الحالات ولكن ليس في حالات أخرى؟
التوقيت والاستمرارية بتناسب عاملان يمكن أن يلعبا دورًا في مدى فعالية العقاب في المواقف المختلفة.
أولًا:التوقيت Timing
تكون العقوبة أكثر فعالية إذا تم تطبيقها بسرعة وبشكل فوري.على سبيل المثال: غالبا ما تصدر أحكام السجن بعد وقت طويل من ارتكاب الجريمة، وهو ما قد يساعد في تفسير أحد الأسباب التي تجعل تحويل الأشخاص إلى السجن لا يؤدي دائمًا إلى انخفاض السلوك الإجرامي.
ثانيًا:الاستمرارية Consistency
يحقق العقاب نتائج أكبر عندما يتم تطبيقها باستمرار، وقد يكون من الصعب تطبيق العقاب في كل مرة يحدث فيها سلوك ما.
على سبيل المثال،غالبًا ما يتجاوز الأشخاص الحد الأقصى للسرعة حتى بعد تلقي مخالفة السرعة. لماذا؟ لأن السلوك يعاقب بشكل غير مستمر ودون اتساق ونظام.
من المرجح أن تؤدي العقوبة إلى انخفاض في السلوك إذا اتبعت السلوك فورًا وتم تطبيقها باستمرار
إرشادات عند استعمال العقاب
اعتبارات أخلاقية عند تطبيق العقاب
بدائل للعقاب
توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) الآباء بتجنب الضرب وغيره من أشكال العقاب البدني، بما في ذلك الصراخ والتشهير. في حين أن مثل هذه الأساليب قد تؤدي إلى الحد من السلوك على المدى القصير، إلا أنها ترتبط بنتائج سلوكية ومعرفية وعاطفية ونفسية اجتماعية أسوأ.
قد تكون الاستراتيجيات السلوكية الأخرى، مثل التعزيز والإطفاء، أكثر فعالية في كثير من الحالات. لذا توصي (AAP) أيضًا باستخدام استراتيجيات تأديبية أكثر أمانًا وفعالية مثل: إعادة التوجيه والتعزيز الإيجابي.
المصادر:
لاتوجد تعليقات