يُعدّ الهروب من المنزل مصدر قلق كبير ومخيف في كثير من الأحيان. قد يكون لدى العديد من الأطفال المصابين بالتوحد والاضطرابات التطورية وعي محدود بالخطر، وقد ينجذبون إلى أماكن أو محفزات معينة، مثل: الماء أو حركة المرور أو الأماكن المفتوحة، دون إدراك المخاطر التي تنطوي عليها. بالإضافة إلى ذلك، قد تُصعّب عليهم صعوبات التواصلن مثل: طلب المساعدة أو مشاركة معلومات التعريف بهم في حال ضياعهم.
إذا كنتَ أحد الوالدين الذي يواجه هذا التحدي، فاعلم أنك لستَ وحدك، إنّما تواجه العديد من العائلات نفس المخاوف والشكوك، وهناك خطوات عملية يمكنك اتخاذها لتقليل المخاطر والحفاظ على سلامة طفلك.
مع الدعم والاستراتيجيات والفهم المناسبين، يُمكن إدارة الهروب، كما أن راحة البال ممكنة.
يُشير الهروب أو الفرار، في سياق التوحد، إلى مغادرة الطفل بيئة آمنة أو الابتعاد عن إشراف مقدم الرعاية دون سابق إنذار، أو وعي بالمخاطر. في حين أن الهروب قد يحدث لدى الأطفال الآخرين كنوع من التجوال أو الاستكشاف مدفوعًا بالفصول لفترة قصيرة، وغالبًا ما يحدث لدى المصابين بالتوحد والاضطرابات لأخرى بشكل متكرر، وبشكل مفاجئ، وأكثر خطورة.
أنماط الهروب لدى الأفراد المصابين بالتوحد
قد ينشأ الفرار لدى الأفراد المصابين بالتوحد نتيجةً لمثيرات حسية، أو اهتمام قوي بأشياء أو أماكن محددة، أو رغبة في الهروب من موقف مُرهق، أو صعوبة في فهم الحدود الاجتماعية.
وتشمل أنماط الفرار كما الآتي:
مغادرة مفاجئة وصامتة، غالبًا دون سابق إنذار.
الانجذاب إلى أماكن محددة، مثل: المياه، أو القطارات، أو الملاعب، أو الطرق المألوفة
الانجذاب بسبب التوتر أو المثيرات المفرطة، مثل: البيئات الصاخبة أو تغيرات الروتين.
عدم الوعي بالخطر، مثل: حركة المرور أو الغرباء.
ضعف مهارات التواصل، مما يُصعّب على الطفل طلب المساعدة أو شرح نفسه عند وجوده.
من المهم التمييز بين الهروب المقصود والتجوال العشوائي، إذ يتطلب كل منهما استراتيجيات وقائية مختلفة. يحدث الهروب المقصود عندما يكون لدى الطفل هدف أو وجهة محددة. على سبيل المثال: قد يغادر للذهاب إلى حديقته المفضلة، أو الهروب من غرفة صاخبة، أو البحث عن شيء معين أو تجربة حسية. على الرغم من أن هذا السلوك مقصود، إلا أن المخاطر تبقى عالية، خاصةً إذا كان الطفل يفتقر إلى الوعي بالسلامة. من ناحية أخرى، قد لا يكون للتجوال العشوائي هدف واضح، قد يحدث بسبب الارتباك أو فقدان الاتجاه أو القلق. قد لا يدرك الطفل أنه يغادر منطقة آمنة، وقد لا يدرك أنه تائه أو في خطر.
الهروب بين الأطفال المصابين بالتوحد ليس أمرًا عشوائيًا، بل غالبًا ما يكون شكلًا من أشكال التواصل أو استجابةً لاحتياجات وتحديات داخلية.
إن فهم أسباب هروب الطفل يمكن أن يوفر رؤىً أساسية للوقاية والدعم. فيما يلي بعض الأسباب الأكثر شيوعًا:
يعاني العديد من الأطفال المصابين بالتوحد من ضعف في مهاراتهم اللغوية اللفظية أو التعبيرية. إذا لم يتمكنوا من طلب استراحة، أو التعبير عن انزعاجهم، أو التعبير عن احتياجاتهم، فقد يلجأون إلى ترك الموقف تمامًا كوسيلة للتكيف أو التعبير عن أنفسهم وتلبية احتياجاتهم.
يمكن أن تُصبح الأصوات العالية، والأضواء الساطعة، والروائح النفاذة، أو الأماكن المزدحمة مُرهقةً بسرعة. بالنسبة لبعض الأطفال، يُعدّ الهروب وسيلةً لإيجاد بيئة أكثر هدوءًا أو ألفةً.
قد يُطور الأفراد المصابون بالتوحد اهتمامًا شديدًا بأشياء أو أماكن أو عادات معينة. إذا انجذب الطفل إلى شيء محدد كالماء أو القطارات أو الملاعب أو حتى مسار مشي مألوف، فقد يحاول الوصول إليه دون مراعاة مخاطر السلامة التي ينطوي عليها.
قد تُشعر الانتقالات أو المواقف غير المألوفة أو البيئات المشحونة عاطفيًا الطفل بالضيق أو عدم القدرة على التنبؤ. ويكون الهروب شكلًا من أشكال التجنب أو ضبط النفس عندما يحاول الهروب من التوتر أو الانزعاج.
قد لا يفهم بعض الأطفال المصابين بالتوحد مفهوم الخطر تمامًا، مثل المخاطر التي تشكلها حركة المرور أو الغرباء أو المياه. فضولهم الطبيعي وميلهم للاستكشاف يمكن أن يقودهم إلى مواقف غير آمنة دون أي خوف أو تردد.
قد تزيد التغييرات في الروتين، أو ازدياد القلق، أو الإحباط وخاصةً خلال في فترات الانتقال من احتمالية الهروب. عندما يصعب ضبط المشاعر، قد يكون مغادرة المكان محاولةً اندفاعيةً للسيطرة على المشاعر الجياشة.
تشير الدراسات إلى أن ما يقارب (49%) من الأطفال المصابين بالتوحد يحاولون الهروب من بيئة آمنة في مرحلة ما بعد سن الرابعة. ووفقًا لدراسة بارزة أجريت عام 2012، فإن أكثر من طفل من كل أربعة أطفال مصابين بالتوحد (26%) كانوا في عداد المفقودين، إذ تسلط هذه الأرقام الضوء على مدى شيوع الهروب وخطورته المحتملة على العائلات.
تحدث سلوكيات الهروب في أغلب الأحيان لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و10 سنوات، على الرغم من أنها يمكن أن تحدث في أي عمر. وغالبًا ما يكون الخطر أعلى خلال مرحلة الطفولة المبكرة، خاصةً عندما يطور الأطفال قدرتهم على الحركة ولكن قد لا يكون لديهم بعد تواصل قوي أو وعي بالسلامة. كما يمكن أن تزيد مع بدء الانتقال إلى مدرسة جديدة أو تغيير الروتين أو دخول مرحلة المراهقة.
الفئات الأخرى إلى جانب التوحد لديها احتمالية متكررة للهروب:
غالبًا ما يبدو الهروب مفاجئًا، ولكن عادةً ما توجد إشارات سلوكية مبكرة تساعد مقدمي الرعاية والمعلمين والآباء على تحديد الأطفال الأكثر عرضة للخطر. بإدراك هذه العلامات التحذيرية، يُمكن اتخاذ خطوات استباقية قبل وقوع موقف خطير.
الوقاية والاستعداد مع التخطيط المسبق المفتاح لتوفير أقصى درجات الأمان وتقليل احتمالية الهروب لطفلك:
يمكن لإجراء تغييرات بسيطة في المنزل أو الفصل الدراسي أن يُسهم بشكل كبير في منع هروب الأطفال. فكّر في تركيب:
أقفال عالية الجودة (بما في ذلك تلك الموضوعة بعيدًا عن متناول الأطفال)
أجهزة إنذار للأبواب والنوافذ؛ لتنبيه مقدمي الرعاية عند فتح المخرج.
سياج حول الساحات أو مناطق اللعب.
علامات توقف أو حواجز مرئية بالقرب من المخارج لردع المخالفين.
يمكن أن تكون هذه التدابير بمثابة خط الدفاع الأول أثناء العمل على دعم سلوكي طويل الأمد.
أصبحت الأجهزة المزودة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أكثر سهولة في الاستخدام وأكثر ملاءمة للآباء. تشمل الخيارات المتاحة:
أجهزة تتبع GPS القابلة للارتداء، مثل:أساور، مشابك، نعلات الاحذية.
ساعات ذكية مزودة بميزات التتبع ومكالمات الطوارئ.
أجهزة تتصل بتطبيقات مقدمي الرعاية للحصول على تحديثات فورية للموقع.
يمكن لهذه الأدوات أن توفر راحة البال وتساعد في تحديد مكان الطفل بسرعة إذا تاه.
وجود بطاقة هوية واضحة لطفلكِ يُسرّع في العثور عليه،على سبيل المثال:
أساور أو قلادات الهوية الطبية تحمل اسم طفلك، وتشخيص حالته ومعلومات الاتصال في حالات الطوارئ.
بطاقات الأحذية أو بطاقات الهوية المثبتة في الملابس أو رموز الاستجابة السريعة (QR codes) التي تُربط بملف تعريف جهة اتصال الطوارئ.
بالنسبة للأطفال غير الناطقين أو الذين يعانون من محدودية التواصل اللفظي، يمكن أن تكون هذه أدوات منقذة للحياة.
القصص الاجتماعية: هي سرديات بصرية تساعد الأطفال على فهم المواقف الاجتماعية والاستجابة لها. يمكنك إنشاء قصص مخصصة لشرح مخاطر مغادرة منطقة آمنة، وما يجب فعله إذا شعروا بالإرهاق، وممن يطلبون المساعدة.
يساعد ربط هذه القصص بإشارات بصرية،مثل: صور البالغين الآمنين أو إشارات التوقف على تعزيز الرسالة بطريقة مناسبة لنموهم.
قم بلعب الأدوار في السيناريوهات الشائعة وبناء روتين لطفلك حول ما يجب فعله في حالة الانفصال أو الشعور بالحاجة إلى المغادرة.
درب طفلك على قول كلمة "مساعدة" أو الإشارة بها.
تحديد الأشخاص الآمنين (مثل المعلم أو ضابط الشرطة).
المشي بأمان بالقرب من الطرق أو في الأماكن العامة.
الاستجابة لأوامر السلامة مثل "توقف" أو "انتظر".
يمكن دمج لحظات التدريب هذه في الروتين اليومي ومراجعتها بانتظام.
إعداد برامج مجتمعية تعزز سلامة واستقلالية الأفراد من ذوي طيف التوحد والاضطرابات الأخرى من خلال تأهيل فرق طوارئ، مثل: الشرطة، المسعفين، ورجال الإطفاء للتعامل بفعالية معهم.
يمكن للعائلات تزويد خدمات الطوارئ بمعلومات مهمة عن أفرادها المصابين بالتوحد مسبقاً، بحيث إذا حدثت حالة طارئة، يكون الفريق مستعدين بشكل أفضل للتعامل مع الموقف بفعالية، مما يؤدي إلى استجابة أسرع وتواصل أفضل.
الوقاية والاستعداد مع التخطيط المسبق المفتاح لتوفير أقصى درجات الأمان لتقليل احتمالية هروب وضمان بيئة أكثر أمانًا لطفلك.
لاتوجد تعليقات