نادرًا ما تظهر السلوكيات المُشكلة أو أي تحدٍ سلوكي بمعزل عن غيرها، غالبًا ما تتأثر بتفاعل مُعقَّد من العوامل التي تتجاوز المُحفِّزات المُباشرة. قد تكون هذه العوامل خفيةً وغالبًا ما تعمل في سياق كامن، ولكن يُمكن أن يكون لها تأثيرٌ قويٌّ على الحالة العاطفية والسلوكية للفرد.
من الضروري إدراك أن المشكلات السلوكية ليس مُجرَّد فعلٍ عفويٍّ من التحدي أو العدوان، بل هو استجابة، وغالبًا ما تكون تواصلًا، تتشكَّل من خلال تضافر عوامل بيئية وشخصية، قد نُغفل أحيانًا عن مُحفِّزات التحديات السلوكية challenging behavior من خلال التركيز فقط على المُسبِّبات والنتائج المُباشرة (نموذج "ABC")، وندعو إلى نهجٍ بيئيٍّ أكثر شمولًا يأخذ في الاعتبار السياق الأوسع الذي تحدث فيه السلوكيات.
يشمل مصطلح الأحداث البيئية عوامل شخصية وبيئية تُساعد على ظهور سلوكيات مُعينة أو تُحدّ منها، هذا يعني أن هذه الأحداث ليست مجرد خلفيات سلبية، بل تُؤثر بشكل فعّال على إمكانية ظهور سلوكيات مُعينة. يمكن تسميتها أيضاً بالمحددات البيئية.
الأحداث البيئية (Setting Events) هي عوامل سياقية أوسع نطاقًا تزيد من احتمالية حدوث السلوك الصعب، ولكنها لا تُسببه مباشرةً، هي في جوهرها سياقات ممهدة أو أوضاع مستمرة تعمل على زيادة قابلية الفرد للقيام بسلوك صعب عند مواجهة مُحفِّز ما، وهي أشبه بـ "تجهيز المسرح" لحدوث السلوك.
قد تشمل هذه العوامل الظروف البيئية، أو الحالات الفسيولوجية، أو المواقف الاجتماعية المُستمرة التي تؤثر على الحالة العامة للفرد. أما المُحفزات (Trigger\Antecedent)، فهي مثيرات قبلية مُباشرة تسبق السلوك الصعب وتُثيره. مع أن كلًا من الأحداث البيئية والمُثيرات القبلية تلعب دورًا هامًا في الأنماط السلوكية، إلا أن إدراك طبيعتها يُتيح استراتيجيات دعم أكثر دقة وفعالية.
يقدم ( McGill et al (reference at the end قائمة شاملة لأحداث البيئة المحتملة، مصنفة على النحو التالي (وتُعرف أيضاً بمواقف بيئية):

تُشير الأبحاث في تحليل السلوك، ولا سيما دراسة (توستِن وآخرون)، إلى أن النظر إلى السلوكيات الصعبة لدى الطلاب على أنها أحداث منعزلة هو قراءة غير مكتملة للواقع، بل يجب فهمها كجزء من سلسلة سلوكية متصلة.
هذا يعني أن السلوكيات التي يُظهرها الطالب سابقاً، سواء كانت إيجابية كالمشاركة الفعالة أو سلبية كالفشل في مهمة ما، تلعب دور "أحداث بيئية" مُمهّدة. هذه السلوكيات السابقة تزيد من احتمالية حدوث سلوكيات صعبة لاحقة، على سبيل المثال: إذا قام الطالب بتصرف يدل على الإحباط أو الغضب في حصة الرياضيات (سلوك سابق)، فإن هذا يزيد من احتمالية انسحابه أو رفضه للعمل في حصة العلوم التالية (سلوك صعب لاحق)، لأن حدث بيئي (الإحباط المتراكم) أصبح مُفعَّلاً.
إن التسجيل الدقيق لهذه الأنماط السلوكية وتحليلها يوفر للموظفين (المعلمين أو الأخصائيين) رؤى قيّمة لا تقتصر على معرفة متى يقع السلوك الصعب، بل تذهب أعمق لتحديد وظيفة السلوك (لماذا يفعله الطالب؟) والمثيرات المحتملة البعيدة (ما الذي وضع الطالب في حالة تهيؤ للاستجابة السلبية).
لتحديد هذه المحددات البيئية بفعالية، يُنصح الموظفون بما يلي:
تطبيقات وأدوات رقمية لتعزيز رصد الأحداث البيئية
لتبسيط عملية رصد الأحداث البيئية وتوثيقها، يمكن الاستفادة من تطبيقات وأدوات إلكترونية متخصصة في تحليل السلوك مثل:

الفرق بين الحدث البيئي والمثير (المحفز)
يكمن الفرق الأساسي بين الأحداث البيئية Setting Events والمحفزات Trigger في الإطار الزمني وطبيعة تأثيرهما على السلوك الصعب.
الأحداث البيئية هي سياقات ممهدة ومستمرة، تعمل على زيادة القابلية العامة للسلوك الصعب، غالبًا ما تكون خفية وطويلة الأمد، وتتضمن تفاعل عوامل مُتعددة، ولا تُحدث السلوك فورًا، لكنها تجعل الفرد أكثر حساسية تجاه المثيرات.
تركيز التدخل هنا ينصب على استراتيجيات التدخل القبلي لتحسين الظروف العامة، أمثلتها: قلة النوم، الجوع، الألم المزمن، والتغيرات الكبيرة في الروتين.
بالمقابل، المُحفِّزات/ المثيرات هي السوابق المباشرة والفورية التي تسبق السلوك وتُثيره مباشرةً، هي بمثابة "الزر" الذي يتم الضغط عليه، عادةً ما تكون أكثر وضوحًا وقصيرة الأمد، وتأثيرها يكون مباشرًا في تحفيز السلوك الصعب.
تركيز التدخل هنا ينصب على الاستراتيجيات التفاعلية لإدارة الموقف المُباشر، أمثلتها: ضوضاء عالية مفاجئة، مواجهة مباشرة مع شخص آخر، أو طلب مُحدد.
تتوزع أحداث البيئة التي تؤثر على السلوك الصعب عبر ثلاثة سياقات رئيسية:
1. الإطار الزمني والروتيني:
تتغير احتمالية السلوك غير المرغوب به بناءً على الأوقات والأيام والمواسم، قد يكون السلوك أكثر أو أقل احتمالية في أوقات معينة من اليوم، أو في أيام معينة (مثل: صباح يوم الاثنين الذي يُعد حدثًا شائعًا لزيادة السلوكيات الصعبة).
كما تؤثر المواسم أيضاً؛ فمثلًا، قد يزيد السلوك إذا لم يتمكن الشخص من الوصول إلى الحديقة بسبب الأمطار الغزيرة أو الحرارة المرتفعة، وتُعد التغييرات غير المتوقعة في الروتين اليومي عامل إزعاج كبير، إذ تسبب القلق وتزيد من احتمالية السلوكيات الصعبة، ولذلك يُنصح بتقديم تحذيرات والتحضير للتغييرات مسبقاً.
2. البيئة المادية والأنشطة:
3. السياق الشخصي والاجتماعي:
كما يمكن أن تُؤثر التغييرات في الأدوية واضطرابات النوم والتقلبات الهرمونية على السلوك، بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الإحباط الناتج عن صعوبات التواصل إلى سلوكيات صعبة، وقد يُؤدي حرمان الشخص من الأشياء/الأنشطة المرغوبة إلى سلوكيات صعبة. غالبًا ما يكون لدى الأفراد المصابين بالتوحد حساسيات حسية قد تُسهم في سلوكياتهم الصعبة، ويُعد فهم هذه الحساسيات واستيعابها أمرًا بالغ الأهمية للوقاية.
س: هل الجوع والتعب يُعدان مُحفِّزاً أم حدث بيئي؟
ج: يُعدان حدث بيئي، لأنهما ظروف داخلية طويلة الأمد تزيد من قابلية التهيج، ولكنهما لا يُثيران السلوك فوراً. المثير سيكون الطلب الذي يُقدم للفرد أثناء شعوره بالجوع.
س: ما هي الأداة الأفضل لرصد أحداث البيئة؟
ج: المقابلة البيئية (EI) هي أداة منهجية ممتازة، كما يمكن استخدام قوائم تحقق يومية بسيطة لتوثيق العوامل الشخصية (النوم، الأدوية، الحالة المزاجية).
س: متى يجب أن أتدخل؟ قبل الحدث البيئي أم بعده؟
ج: يجب التدخل قبل وقوع السلوك المشكل، عبر تعديل الحدث البيئي (مثل: توفير وجبة خفيفة قبل الجوع المتوقع، أو تقليل الضوضاء). هذا هو التدخل القبلي.
س: كيف يمكنني تحديد ما إذا كان السلوك تواصلاً؟
ج: إذا كان السلوك يؤدي إلى نتيجة وظيفية (مثل الهروب من مهمة صعبة أو لفت الانتباه)، فهو تواصل. الأحداث البيئية تزيد من أهمية ووظيفة هذا التواصل.
إن تجاوز النظرة التبسيطية للسلوكيات الصعبة وتبني منظور بيئي أوسع يأخذ في الاعتبار تأثير الأحداث المحيطة أمرٌ أساسي لتقديم دعم فعال.
الأحداث الستة الأكثر احتمالًا التي تؤدي إلى سلوكيات صعبة هي: حالات التوتر أو القلق، سوء المزاج، المهام الصعبة، عدم القيام بأي شيء أو انتظار نشاط، الغرف المزدحمة أو البيئات الصاخبة، وصعوبة التواصل.
المصادر:
لاتوجد تعليقات