أسرار تدريب الوالدين: 3 مفاتيح لإحداث تغيير حقيقي

​إنّ حثّ الوالدين على المشاركة الفعلية في تدريبهم يمثل تحديًا كبيرًا، فالأمر لا يقتصر على مجرد حضور الجلسات، بل يتطلب منهم التزامًا حقيقيًا بتطبيق ما يتعلمونه في حياتهم اليومية. بعد خبرة واسعة في هذا المجال، تبيّن أنّ هناك ثلاثة مفاتيح أساسية لنجاح هذه العملية، وهي بناء علاقة تعاونية، تحديد أهداف واضحة، وبناء الثقة. هذه النقاط الثلاثة هي جوهر إشراك الوالدين ومنحهم الثقة ليؤمنوا بقدرتهم على إحداث فرق حقيقي في حياة أطفالهم.

​لماذا يتجنب الآباء التدريب؟

​قد يجد الآباء صعوبة في الالتزام ببرامج تأهيل الآباء لعدة أسباب، منها:

  • ​الشعور بالإرهاق بالفعل: العديد من الآباء الذين يسعون للحصول على مساعدة في تحليل السلوك التطبيقي (ABA) يكونون في حالة من الإرهاق العاطفي والجسدي، كما أنهم يتعاملون مع تحديات سلوكية معقدة لأطفالهم، وقد يكونون قد مروا بتجارب عديدة فاشلة مع تدخلات سابقة. إضافة تدريب جديد أو واجبات إضافية إلى جدولهم المزدحم يمكن أن يزيد من شعورهم بالضغط والإنهاك، مما يجعلهم أقل حماسًا للمشاركة.

  • ​عدم وجود نتائج فورية ومؤكدة: في تحليل السلوك التطبيقي، قد لا تظهر نتائج تغيير سلوك الآباء على سلوك أطفالهم بشكل فوري أو سريع. الآباء قد لا يرون تحسنًا ملموسًا في سلوك أطفالهم بعد جلسة تدريب أو اثنتين، مما يقلل من حماسهم ومثابرتهم. عندما تكون المكافآت (وهي تحسن سلوك الطفل) غير فورية أو غير مضمونة، يصبح من الصعب على الآباء الحفاظ على التزامهم بالتدريب.

  • ​عدم فهم المصطلحات والمفاهيم: مجال تحليل السلوك التطبيقي يمتلك مصطلحاته الخاصة (مثل: المعززات، التعميم، والمنظومة السلوكية). إذا لم يتم شرح هذه المفاهيم للآباء بطريقة بسيطة وواضحة، فقد يشعرون بالضياع أو أنهم لا يفهمون ما يُطلب منهم. هذا النقص في الفهم يؤدي إلى صعوبة في تطبيق الإستراتيجيات الموصى بها، وبالتالي إلى الإحباط وتجنب المشاركة.

  • ​تضارب التدخلات مع المعتقدات والقيم: قد لا تتوافق بعض الإستراتيجيات الموصى بها في التدريب مع قناعات الآباء الشخصية، أو قيمهم، أو طريقة نهجهم المعتادة. على سبيل المثال: قد يُطلب من الأهل تجاهل سلوك معين، في حين أنهم يعتقدون أن تجاهل الطفل أمر غير لائق. هذا التضارب يمكن أن يخلق حاجزًا نفسيًا كبيرًا ويجعل الآباء مترددين في تطبيق ما تعلموه.

  • ​الاعتقاد بأن شخصًا آخر أفضل في المساعدة: بعض الآباء يعتقدون أن مهمة تغيير سلوك الطفل تقع على عاتق الأخصائيين والخبراء فقط. وقد يفكرون: لماذا أتدرب أنا؟ الأخصائي هو الأقدر على مساعدة طفلي. هذا الاعتقاد ينبع من فكرة أن الأخصائيين يمتلكون الأدوات والمهارات اللازمة، في حين أن دور الأهل يقتصر على تسليم المهمة للخبراء. هذا الشعور قد يزيد من رغبتهم في التراجع عن التدريب.

​كل هذه الأسباب تؤكد على أهمية أن يكون تدريب الوالدين مصممًا بشكل حساس ومراعٍ للوضع النفسي والاجتماعي للأسرة، وأن يتم التواصل معهم بطريقة مبسطة وواضحة لتجاوز هذه التحديات.

تدريب الوالدين

​قد يكون لكل أم أو أب قصة مختلفة، لكن المشاكل التي ذكرناها هي الأسباب الشائعة لعدم مشاركتهم. إذا فهمت هذه المشاكل، فيمكنك اتباع الأسرار المفتاحية الرئيسية الثلاثة لإنجاح تدريبهم بفعالية.

​الأسرار الثلاثة لنجاح تدريب الآباء على تحليل السلوك التطبيقي (ABA)

​الأسرار المذكورة أدناه ليست تدخلات سحرية جديدة، ولكن قلة منا تعلموا استخدامها في تدريب الوالدين. بمجرد تطبيق هذه الاستراتيجيات، ستكسر الحواجز بينك وبين والدي الطفل.

​1- بناء شراكة: كيف تبني بخبرة علاقة تعاونية مع أولياء الأمور؟

​السر الأول هو بناء شراكة مع أولياء الأمور؛ هدفك هنا هو تكوين علاقة تعاونية بدلاً من علاقة بين الخبير والطالب. جميعنا نعرف كيفية بناء علاقة جيدة مع عملائنا، ولكن هل تعرف كيف تبني علاقة مع أولياء الأمور؟ معظم مناهج التثقيف الوالدي مليئة بمصطلحات وتعليمات تحليل السلوك التطبيقي الأساسية. يتفق البحث والخبرة على أن هذا لا ينجح. يحتاج الآباء إلى الشعور بأنهم جزء لا يتجزأ من العملية وإلا فلن يتفاعلوا معك.

​عندما لا تكفي المعرفة، أهمية القصة كجسر للتواصل مع أولياء الأمور:

تحكي القصة عن أخصائية في تحليل السلوك التطبيقي واجهت صعوبة في تأهيل والدة أحد عملائها، كانت الأخصائية تقدم للوالدة توصيات واستراتيجيات قائمة على الحقائق، لكن الأم لم تطبقها أبدًا في المنزل، رغم اعترافها بأهميتها. بعد أشهر من عدم إحراز أي تقدم، قررت الأخصائية تغيير نهجها، لاحظت الأخصائية أن الأم تعتذر عن ارتداء سترة معينة كل يوم لأن ابنها (ج.) ينزعج إن لم تفعل ذلك.

هذا الحدث كشف للأخصائية عن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الأم. بدلًا من تقديم المزيد من الحقائق النظرية، طلبت الأخصائية من الأم أن تروي لها المزيد، ثم بادرت بسرد قصة عن عائلة أخرى كانت تواجه مشكلة مماثلة مع طفلها، الذي كان يحاول التحكم بكل شيء. من خلال هذه القصة، سعت الأخصائية لإظهار كيف يمكن للآباء مساعدة أطفالهم على تقبل فكرة أنهم لا يستطيعون التحكم في كل شيء، مما يوضح أهمية استخدام القصص في التوجيه الأسري بدلاً من الحقائق المجردة. وهذا كان سبب في بناء جدار بيننا وبين أولياء الأمور.

​لماذا يُجدي بناء شراكة تعاونية؟

على الرغم من أن أمامنا الكثير من العمل، إلا أننا أدركنا بأننا أغفلنا خطوةً حاسمةً عندما بادرنا بمحاولة تعليمها تحليل السلوك التطبيقي. احتجنا إلى تخصيص بعض الوقت لبناء علاقة معها لنصبح فريقًا يعمل معًا. يتطلب بناء العلاقة مع الآباء السماح لهم برؤيتك كإنسان. تصبح شريكًا لهم بدلًا من أن تكون خبيرًا، لتحقيق ذلك، اتبع ما يلي:

  • التخلص من المصطلحات المتخصصة،
  • فهم وجهة نظر الوالدين،
  • ومشاركة القصص.

من خلال بناء العلاقة مع الأم في القصة أعلاه، بنينا علاقةً قويةً أتاحت لها فرصة مشاركة تحدياتها، والأفضل من ذلك كله، أن ابنها بدأ يحقق تقدمًا هائلة بمجرد أن بدأنا العمل معًا.

​2- تحقيق الأهداف: كيفية إشراك الآباء باختيار أهداف تُغير حياتهم

​السر الثاني هو تحقيق الأهداف، أي كيفية إشراك الآباء باختيار أهداف تُغير حياتهم. عندما بدأنا العمل مع الآباء، ركزنا على الأمور الخاطئة، ظننا أننا بحاجة إلى جعل الآباء يروننا خبراء حتى يستمعوا لنا ويتبعوا نصائحنا، المشكلة هي أنه في كل مرة حاولنا فيها أن نصوّر أنفسنا كخبراء، كان الآباء يتجاهلون ولا يُشاركوننا تحدياتهم الحقيقية.

​قصة: عندما تعلمتُ أهمية الأهداف الواقعية في تدريب الوالدين:

 كان لدى أخصائية عميلة رائعة، أم لطفلين يعانيان من التوحد، كان سلوكهما عنيفًا وخطيرًا، وكانت الأم تبذل كل ما بوسعها. وضعتْ لها خطة تطوير المهارات الوالدية لمساعدتها على تطبيق تدخلات علاجية، لكن بعد أشهر، لاحظنا أنها لا تستخدم أيًا منها.

سألنا مباشرةً عن السبب، فأجابت بهدوء: أنا اعتدت على سلوكهم، ولم أقتنع بأن هذه التدخلات ستُحدث فرقًا، في تلك اللحظة، أدركت أنها كانت ترى الوضع من منظور مختلف تمامًا، كان تركيزها على الأهداف الكبيرة، بينما كانت هي غارقة في تفاصيل حياتها اليومية المرهقة، تراجعت خطوة، وقلنا لها: لو كان لديّنا عصًا سحرية، ما هو الشيء الوحيد الذي تودين أن يتغير ليجعل حياتك أسهل؟ أجابت الأم على الفور، وكأنها كانت تنتظر هذا السؤال: أتمنى لو يستطيع أطفالي تحضير غدائهم بأنفسهم. أشعر وكأنني أقضي حياتي كلها في المطبخ!

هنا، انفتحت أعيننا، كان هدفها العلاجي "الكبير" غير ذي جدوى بالنسبة لها، أما هذا الهدف الصغير والبسيط، وهو جعل الأطفال أكثر استقلالية في تناول الطعام، فهو ما سيُحدث فارقًا حقيقيًا في حياتها. منذ ذلك اليوم، تعلمنا أن الأهداف العلاجية يجب أن تكون واقعية،وأن تبدأ من احتياجات الشخص الحقيقية، لا من توقعاتنا كاختصاصيين. هذا ما يجعل الأهداف ذات معنى حقيقي وتؤدي إلى تغيير ملموس. نحن نميل إلى وضع أهداف للوالدين بناءً على أهداف علاج الطفل، لكن المشكلة تكمن في أن هذه الأهداف قد لا تكون ذات أولوية بالنسبة لهم.

​3- تنمية الثقة: كيفية تمكين الآباء وتحفيزهم لتغيير استراتيجياتهم التربوية

​السر الثالث والأخير لتحقيق النجاح هو تنمية الثقة، كيفية تمكين الآباء وتحفيزهم لتغيير استراتيجياتهم التربوية. لا أعرف رأيك، ولكن عندما بدأنا دعم الأهل، افترضنا أن الآباء سيغتنمون الفرصة للحصول على بعض المساعدة. ظننا أن سبب تعزيزهم للسلوكيات الصعبة هو عدم فهمهم لمفهوم التعزيز. ظننا أن كل ما علينا فعله هو تثقيفهم وستتحسن الأمور بشكل سحري. إذا كنتَ قد انتبهتَ للقصص الأخرى التي شاركناها، فنحن متأكدين من أنك قد خمنت الآن أننا كنا مخطئين تمامًا.

​قصة كيف تعلمنا تمكين الوالدين:

 قبل سنوات، تم العمل مع أمٍّ تعاني من صعوبات، لنُسمِّيها غادة، وكان ابنها، الذي سنُسمِّيه أحمد، يُمارس تحدياتٍ سلوكية بشكلٍ مُستمر، تتضمن بعض التصرفات العدوانية المُخيفة، مما انعكس على الأم بحيث لم تكن تستمتع بوقتها معه. كانت دائمًا مُتوترة، تتساءل إن كان اليوم هو اليوم الذي سيؤذيها فيه بالفعل.

في العاشرة من عمره، أمضى أحمد سنواتٍ في تطوير سلوكياتٍ تُمكّنه من السيطرة على من حوله، كانت غادة تستجيب لمطالبه بشكلٍ روتيني، مُدركةً أنها إن لم تفعل، فمن المُرجَّح أن يُهاجمها، افترضت أن سلوكه كان نتيجةً لإعاقته، وبالتالي خارج عن سيطرتها، شعرت باليأس وحاولت ببساطة تجاوز كل يوم. عندما شرحتُ لها أساسيات تحليل السلوك هزت راسها رافضةً بذلك أساس تحليل السلوك التطبيقي (ABA) بأكمله.

​بينما كنا نشرح لها أن سلوك ابنها هو نتيجة للعوامل المحيطة به، وليس إعاقته، لاحظنا إحباطها، ثم طلب منها أن تجرب توصياتنا لمدة 21 يومًا، بعدها يمكنها الاستسلام إذا لم ترَ أي تحسن. كانت متعبة وخائفة من الأمل.

خلال الأيام التالية، كنا نراجع معها أساسيات السلوك. وفي لحظة إحباط، قلتُ لها: سلوكه ليس إعاقته، بل هو نتيجة للظروف المحيطة. إذا غيرتِ الظروف، سيتغير السلوك. في تلك اللحظة، أدركنا أنها فهمتنا أخيرًا. ركضت إلى المطبخ وعادت بورقة كتبت عليها: "سلوكه ليس إعاقته"، وقالت: لأول مرة أفهم ذلك، هذا يعني أنه ليس عليه أن يؤذيني، بدأنا في تطبيق تدخلات بسيطة لتشكيل سلوكه، كانت رحلتنا أشبه بتقدم خطوة للأمام ثم الانزلاق خطوة للخلف، ولكنها لم تستسلم. ومع كل انزلاقة، كانت تتعلم شيئًا جديدًا، مما أدى إلى تحسن تدريجي ومستمر.

تدريب الوالدين ABA

​لماذا يُجدي تمكين الوالدين؟

 تمكين الآباء أمر أساسي لأنهم غالبًا ما يفتقرون إلى فهم شامل لاحتياجات وقدرات أطفالهم المصابين بالتوحد أو غيره من الاضطرابات النمائية. وظيفة الأخصائي هي مساعدة الوالدين على فهم هذه الحالة ونقاط القوة والضعف المرتبطة بها، وليس فقط تعليمهم استراتيجيات سلوكية.

​الأسئلة الشائعة حول تدريب الآباء

​س: ما هي الفائدة من تدريب الآباء على تحليل السلوك التطبيقي (ABA)؟

ج: الفائدة الرئيسية هي تمكين الآباء ليصبحوا جزءًا فعالاً من عملية علاج أطفالهم، مما يؤدي إلى تعميم المهارات وتطبيقها في بيئة الأسرة الطبيعية، وهذا يسرع من تحقيق النتائج الإيجابية والمستدامة.

​س: كيف يمكنني أن أبدأ في برنامج تدريب الوالدين؟

ج: يمكنك البدء بالبحث عن مراكز متخصصة أو أخصائيين معتمدين في تحليل السلوك التطبيقي (ABA) يقدمون برامج تدريب للآباء. يمكنك أيضًا الاستفادة من الدورات التدريبية عبر الإنترنت التي تقدمها منصات متخصصة في هذا المجال.

​س: هل تدريب الآباء مناسب للعائلات في المجتمعات العربية؟

ج: نعم، التوجيه الأسري مهم جدًا في المجتمعات العربية. يتطلب الأمر فهمًا للثقافة والقيم المحلية لضمان أن الاستراتيجيات المقدمة تتوافق مع المعتقدات الأسرية، وهذا ما يركز عليه الخبراء في المنطقة، مثل: أخصائيين ومراكز و جمعيات ذات العلاقة.

في الختام: بناء الشراكة والثقة

​نتعلم في دراستنا الكثير من المعلومات التقنية، لكننا غالبًا ما نغفل عن كيفية تطبيقها بشكل فعّال في حياة العائلات. لكي تنجح في عملك كأخصائي، يجب أن تدمج ثلاثة مبادئ أساسية: بناء علاقة تعاونية، تحديد الأهداف، وبناء الثقة. هذه هي الأسرار التي ستمكنك من إشراك أولياء الأمور وإلهامهم لإحداث تغيير حقيقي في حياتهم وحياة أطفالهم. ابدأ اليوم في تطبيق هذه المبادئ، واكتشف كيف يمكن لهذه الأسرار أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في رحلتك المهنية.

(0) التعليقات

    لاتوجد تعليقات

اترك تعليقا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك

اشترك الآن في النشرة البريدية لتصلك أحدث المستجدات العلمية وآخر التحديثات التدريبية